فصل: أسئلة وأجوبة في السورة الكريمة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقرأ الباقون لا يحسبن بالياء إن قيل أين مفعول لا يحسبن الجواب عنه من وجهين أحدهما أن الذين في موضع نصب على قراءة من قرأ تحسبن بالتاء ولم يذكر المفعول الثاني لأنه ذكره في قوله فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب وإنما لم يذكر المفعول الثاني في قوله تحسبن الذين لأنه كرر الفعل وتكرير الفعل ينوي به التوكيد للنهي كأنه قال لا تحسبن لا تحسبنهم كما تقول لا تقومن لا تقومن إلى ذلك.
والوجه الآخر أن يكون أراد لا تحسبن الذين كفروا بمفازة من العذاب فيكون الخبر في قوله بمفازة ثم قال فلا تحسبنهم ويكون الخبر في الثانية متروكا اكتفى بعلم المخاطب بموضعه.
قرأ ابن كثير وأبو عمرو فلا يحسبنهم بالياء ورفع الباء والفعل للكفار أي فلا يحسب الكفار أنفسهم بمفازة من العذاب وإنما أعيد يحسبنهم ثانية لأن معها الاسم والخبر وليس مع الفعل الأول الاسم والخبر فاجتزئ بالثاني عن الأول.
وقرأ الباقون تحسبنهم بالتاء ونصب الباء.
{فالذين هاجروا وأخرجوا من ديارهم وأوذوا في سبيلي وقتلوا وقتلوا لأكفرن عنهم} 195.
قرأ حمزة والكسائي وقاتلوا وقاتوا يبدآن بالمفعولين قبل الفاعلين فإن سأل سائل فقال فإذا قتلوا كيف يقاتلون فالجواب أن العرب تقول قتل بنو تميم بني أسد إذا قتل بعضهم فكأنه يقتل بعضهم فيقتل الباقون الباقين قال أحمد بن يحيى هذه القراءة أبلغ في المدح لأنهم يقاتلون بعد أن يقتل منهم.
وقرأ الباقون وقاتلوا وقتلوا وحجتهم أن الله بدأ بوصفهم بأنهم قاتلوا أحياء ثم قتلوا بعد أن قاتلوا وإذا اخبر عنهم بأنهم قتلوا فمحال أن يقاتلوا بعد هلاكهم فهذا يوجبه ظاهر الكلام. اهـ.

.أسئلة وأجوبة في السورة الكريمة:

قال الخطيب الإسكافي:
سورة آل عمران:
الآية الأولى منها: قوله عز وجل: {كدأب آل فرعون والذين من قبلهم كذبوا بآياتنا فأخذهم الله بذنوبهم والله شديد العقاب} آل عمران: 11.
وقال في سورة الأنفال 52: {كدأب آل فرعون والذين من قبلهم كفروا بآيات الله فأخذهم الله بذنوبهم إن الله قوي شديد العقاب} الأنفال: 52.
وبعدها بآية: {كدأب آل فرعون والذين من قبلهم كذبوا بآيات ربهم فأهلكناهم بذنوبهم وأغرقنا آل فرعون وكل كانوا ظالمين} الأنفال: 54.
للسائل أن يسأل في هذه الآي عن مسائل:
منها في الآية الأولى عن قوله تعالى: {كذبوا بآياتنا} والعدول بعده عن الأخبار عن النفس بالإسم المضمر إلى الاسم المظهر، وهو قوله: {فأخذهم الله بذنوبهم} ولم يقل: فأخذناهم، وهل هاهنا فائدة توجب العدول عن إجراء الكلام الثاني مجرى الكلام الأول في إسناد الفعل إلى ما أسند إليه فيما قبل؟
والمسألة الثانية أن يسأل عن الكاف في {كدأب} ووجه اتصالها بما قبلها وموضعها من الإعراب، لأنها بمعنى مثل، والكاف التي يصح مكانها مثل محتوم على موضعها برفع أو نصب أو جر؟
والمسألة الثالثة في الآية الثانية مخالفتها للآية الأولى في إجراء الخبر كله على لفظة واحدة، وهي لفظة الله، لأنه قال تعالى: {كفروا بآيات الله فأخذهم الله بذنوبهم} ولم يقل: كفروا بآياتنا، كما قال في الآية الأولى؟
والمسألة الرابعة في الآية الثالثة، وهي أنه قال: {كذبوا بآيات ربهم} ولم يقل: بآياتنا، كما قال في الأولى، ولا بآيات الله كما قال في الثانية، بل أتى بصفة من صفات الله عز وجل وهي الرب.
والمسألة الخامسة عن فائدة التكرار في سورة الأنفال في موضعين لا يحجر بينهما إلا آية واحدة؟
أما المسألة الأولى في قوله: {كذبوا بآياتنا}، فوقع الأخبار عن النفس كما يجب في مثله إذا أخبر الماكلم عن نفسه بفعل فأتى بلفظ المضمر دون المظهر ثم خالف ذلك اللفظ إلى غيره فقال: {فأخذهم الله}، فالجواب عن هذا أن يقال: العدول عن النهج الأول المستمر في الأخبار عن النفس إلى لفظ ظاهر هو لفائدة تتضمنها هذه اللفظة من الإحتجاج، وليست هذه الفائدة في لفظةالإضمار، وكانت الآية التي قبلها قد وقع فيها مثل هذا العدول إلى هذا اللفظة للإحتجاج الذي من أجله وقع العدول في هذا المكان إليه، وهو قوله تعالى: {ربنا أنك جامع الناس ليوم لا ريب فيه إن الله لا يخلف الميعاد} آل عمران 9، فقوله: {ربنا} يقتضي أن يكون بعده: أنك لا تخلف الميعاد، كما قال: {ربنا وآتنا وعدتنا على رسلك ولا تخزنا يوم القيامة أنك لا تخلف الميعاد} آل عمران: 194.
فلما قال تعالى في هذا الموضع: {ربنا أنك جامع الناس ليوم لا ريب فيه} فكان المعنى: أنك خلقت الدار الأولى للتكليف، ومكنت العباد فيها من الطاعة والعصيان، ورغبت المطيع في الثواب وخوفت العاصي من العقاب، فوقع منك وعد ووعيد، فأنت تجمع الخلائق ليوم الجزاء، لأن من خلق وأنعم نعمة حقت بها العبادة، ولزمت من أجلها الطاعة، وهذا معنى قولنا: إن الله إذا وعد صدق، فلا خلف في قوله، ولا تبديل لكلام.
فلما كان معنى قولنا الله بمعنى الإله، والإله مشتق من أله يأله الإلهة، أي: عبد يعبد عبادة، فالإله هو الذي حقت عبادته لما عظمت نعمته كان العدول إلى هذه اللفظة للاختجاج بمعناها فائدة لم تكن لتحصل، لو قال: أنك لا تخلف الميعاد.
فلما تقدمت هذه الآية التي وقع العدول فيها عن لفظة لما قصد من الإحتجاج بمعناه، كذلك بنيت هذه الآية التي تلتها عليها في مثل هذا الحكم لما ثبت من مثل هذا المعنى، فقال تعالى: {كدأب آل فرعون والذين من قبلهم كذبوا بآياتنا} فأتى بضمير الفاعل وكان يعق من قوله: {كذبوا بآياتنا} أنا عرضناهم للإيمان، ومكناهم من الإسلام، وأزحنا العلة، ونصبنا الأدلة، فكذبوا بها فالذي حقت له العبادة، وعظمت منه النعمة أخذهم بذنوبهم، والله تعالى يعاقب الكفار عقوبة تشد عليهم، ولا تخفف عنهم، لما قدموا من العصيان ما استمر مثله، ولم ينقل عنه قدم ولا عقبه بعد الإصرار عليه ندم، فهذه فائدة العدول إلى لفظة الله في قوله: {فأخذهم الله} دون قوله فأخذناهم.
المسألة الثانية أن يسأل عن الكاف في {كدأب} ووجه اتصالها بما قبلها وموضعها من الإعراب، لأنها بمعنى مثل، فالكاف التي يصح مكانها مثل محكوم على موضعها برفع أوم نصب أو جر.
والجواب فيها أن يقال: يجوز أن تكون الكاف متعلقة بقوله: {لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم} فيكون موضع الكاف نصبا على معنى المصدر، كأنه قال: لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم مثل ما لم تغن عن آل فرعون، أي: إذا جاء عقاب الله لم يدفعه المال والولد، كما لم يدفع ذلك عن آل فرعون.
والدأب أصله الهمز، وهو العادة، وما أجري عليه قوم في معاملة.
ويجوزأن تكون الكاف متعلقة بعنى قوله: {وقود النار} كأنه قال: وأولئك يصلون النار كما أجرى الله حكمة عادة لآل فرعون.
وفيه وجه ثالث، وهو أن يكون موضع الكاف رفعا على أنه خبر ابتداء، كأنه قال: حال هؤلاء مثل حال آل فرعون، ودأبهم كدأبهم.على لفظة واحدة وهي لفظة واحدة وهي لفظة الله لأنه قال: {كفروا بآيات الله فأخذهم الله بذنوبهم}، ولم يقل {كذبوا بآياتنا} كما قال في الأولى، والجواب عن ذلك أن يقال: إن الآية التي تقدمت هذه هي قوله: {إذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض غر هؤلاء دينهم ومن يتوكل على الله فإن الله عزيز حكيم} الأنفال: 49 فجرى الخبر في هذه الآية على اللفظ الظاهر، وهو: {ومن يتوكل على الله فإن الله عزيز حكيم}، ثم جاء بعدها: {ولو ترى إذ يتوفى الذين كفروا الملائكة...} الأنفال: 50، ولم يكن فيها خبر عن الله تعالى، وجاءت الآية التي هي: {كدأب آل فرعون...} وفيها إخبار عن الله تعالى، فكان بناؤها على الآية التي قبلها أولى، كما كان في الآية التي في سورة آل عمران، فاقتضى بناؤها على الآية التي قبلها العدول عن لفظ الإضمار إلى لفظ الإظهار، ثم كان اللفظ الصريح في معناه احتجاج عليهم كما كان في اللفظ الذي عدل إليه الآيتين المتقدمتين من قوله: {إن الله لا يخلف الميعاد} آل عمران: 9 وقوله: {فأخذهم الله بذنوبهم} الأنفال: 52.
والمسألة الرابعة في الآية الثالثة وهي أنه قال: {كذبوا بآيات ربهم}، ولم يقل: بآياتنا، كما قال في الأولى، ولا: بآيات الله، كما قال الثانية، والجواب أن يقال: لما أخبر تعالى عن نعمته على عباده، وأن منهم من يغيرها بعصيانه فيستحق بذلك تغيير النعمة عنه، وهو معنى قوله: {ذلك بأن الله لم يك مغيرا نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم} الأنفال: 53، والمنعم على عباده ربهم، لأنهم مربوبون بنعمته، كان القصد في هذه الآية إلى ذكر تنعيمهم في الدنيا، وتتغير النعمة عليهم فيها إذ لم يقوموا بحقها بعقاب من عقاب الدنيا مثله ما يفعله بعض الناس ببعض، فلذلك قال: {فأهلكناهم بذنوبهم وأغرقنا آل فرعون} الأنفال: 54، فكأنه قال: كذبوا بآيات من أرقام في أنفسهم شواهد بتربيته إياهم بصنوف نعمته، ونقل الوليد عن أولى حالتيه إلى غيرها مما يبلغ به غاية قوته.
وسأشرح ذلك في جواب المسألة الخامسة، وهي السؤال عن فائدة التكرار في سورة الأنفال في موضعين لا يحجز بينهما إلا آية واحدة.
وهذه المسألة قد أجاب عنها بعض أهل النظر بأن قال: أخبر الله تعالى عن إجراء العادة فيهم بنوعين من العذاب مختلفتين، وإذا كان لم يكن تكرار، لأنه في الآية الأولى عقوبته إياهم عند الموت، والبشارة التي أتتهم بعذاب الحريق، وأنه فعل بهم ذلك كما فعله بآل فرعون، ومن كان قبلهم من الكفار، ثم ذكر في الثانية ما يفعله بهم من شدة عقابه بعد الموت كما فعله بآل فرعون ومن كان قبلهم من الكفار، وما أجرى عليه العادة في تعذيبه إياهم بعد الموت في القبور وغيرها.
والجواب عندي: أنه أخبر في الأولى عما عاقبهم به من العذاب الذي لم يملك الناي إيقاعه، ولم يمكن بعضهم من أن يفعل ببعض مثله، وهو ضرب الملائكة وجوههم وأدبارهم عند نزع أرواحهم، وإخبارهم إياهم بمصيرهم إلى عذاب يحرقهم، وفي الثانية أخبر عما أنزله بهم من العذاب الذي مكن الناس من فعل مثله، وهو الأهلاك والإغراق، لأن ذلك مما أقدر الله تعالى العباد عليه.
فالنوعان هما: العذاب الأول من أحكام الىخرة بعد ظهور أشراط الساعة، والعذاب الثاني من أحكام عذاب الدنيا، والذي يبين ذلك أنه قال في الآية الأولى {كفروا بآيات الله} فأخبر عن أعظم ما ارتكبوه، وهو الكفر، وذكر آيات الله وهو الاسم الذي يفيد استحقاق العبادة التي هي مضادة الكفر، كما قال في سورة آل عمران 11: {كذبوا بآيتنا فأخذهم الله بذنوبهم} أي: أخذهم من أنعم عليهم ليشكروا لما عصوا وكفروا بذنوبهم التي ارتكبوها.
ثم قال: {والله شديد العقاب} والمراد به عقاب الآخرة كما قال: {...ولعذاب الآخرة أشد...} طه: 127، ويشهد لذلك قوله لذلك قوله في الثانية {كذبوا بآيات ربهم} فذكر هذا الاسم دون غيره، لأن فيه معنى: أنه نعمهم ورباهم وقام بمصالحهم حتى بلغوا حد التكليف، والمبلغ الذي قدروا فيه على آداء حق الإنعام.
فلما غيروا ما أنعم الله به عليهم عن جهته، وصرفوه إلى معصيته وتقووا بنعمته على مخالفته سلبهم ذلك في الدنيا بأن عجل هلاكهم فأغرقهم.
فالعقاب الموجود ذكره في الآية الأخيرة مما يفعله أهل الدنيا بعضهم ببعض، فذكره عقيب إنعامه عليهم وتغييرهم له بوضع الكفر موضع الشكر، فغير الله سابق الإنعام بيد الإنتقام وكما غيروا غير عليهم.
فالعقاب الأول أولى أن يكون المراد به عذاب الآخرة، لأن فيه الأخبار بالإحراق. والثاني هو العذاب بالإغراق مثل قوله تعالى: {وذوقوا عذاب الحريق} الأنفال: 50 ويعقبه قوله: {كفروا بآيات الله فأخذهم الله بذنوبهم} الأنفال: 52 وقوله في سورة آل عمران 10: {وأولئك هم وقود النار} فذكر أنهم وقود النار، وذلك في الآخرة، ثم قال: {فأخذهم الله بذنوبهم} فذكر الاسم الذي يفيد ما هو حجة عليهم كما ذكرت قبل.
وجواب آخر، وهو أنه يجوز أن يكون الأول خبرا عن عادتهم في اللأشر والبطر والطغيان عند الاستغناء، والمعنى: جرت عادتهم بمقابلة الإحسان بقبيح العصيان، ويكون الأخير بعد ذكر الله معاقبتهم على فعلهم خبرا عما أجرى الله تعالى به العادة في عقاب مثلهم، فكان معنى الأول عودوا من أنفسهم عادة، ومعنى الثاني: عودوا إذا فعلوا ذلك عادة، وهي سلب نعمة الدنيا، والنقل إلى عذاب الآخرة والله تعالى أعلم بالمراد.
25 الآية الثانية منها قوله تعالى: {ويعلمه الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل ورسولا إلى بني إسرائيل أني قد جئتكم بآية من ربكم أني أخلق لكم من الطين كهيئة الطير فأنفخ فيه فيكون طيرا بإذن الله وأبرئ الأكمه والأبرص وأحيي الموتى بإذن الله وأنبئكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم} آل عمران: 48- 49.
وقال في سورة المائدة 110: {وإذ تخلق من الطين بإذني فتنفخ فيها فتكون طيرا بإذني}.
للسائل أن يسأل فيقول: إذا كان المذكور في الموضعين {كهيئة الطير} وصلح أن يعود الضمير إلى مذكر وإلى مؤنث، فيراد مثل هيئة الطير، وهو مذكر، أو يراد هيئة كهيئة الطير، وهي مؤنثة، فما بال ما في آل عمران خص بالتذكير، وما في سورة المائدة خص بالتأنيث؟
فالجواب أن يقال إن الأول الذي ذكر الضمير فيه؟ إنما هو فيما أخبر الله عز وجل به عن عيسى على نبينا وعليه السلام وقوله عليه السلام لبني إسرائيل {أني قد جئتكم بآية من ربكم} وعد الآيات كلها عليهم، منها: أني آخذ من الطين ما أصور منه صورة على هيئة الطير في تركيبه، فأنفخ فيه، فينقلب حيوانا لحما، قد ركب عظما وخالط دما واكتسى ريشا وجناحا كالطائر الحي، والقصد في هذا المكان إلى ذكر ما تقوم به حجته عليهم، وذلك أول ما يصور الطين على هيئة الطير، ويكون واحدا تلزم به الحجة، فالتذكير أولى به.
والآية في سورة المائدة المخصوصة بتأنيث الضمير العائد إلى ما يخلقه، هي في ذكر ما عدد الله من النعم على عيسى عليه السلام وما أصحبه إياه من المعجزات وأظهر على يده من الآيات، وابتداؤها: {إذ قال الله يا عيسى ابن مريم اذكر نعمتي عليك وعلى والدتك إذ أيدتك بروح القدس تكلم الناس في المهد وكهلا وإذ علمتك الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل وإذ تخلق من الطين كهيئة الطير بإذني فتنفخ فيها فتكون طيرا بإذني...} المائدة: 110، والإشارة في هذه الآية ليست إلى أول ما يبديه لبني إسرائيل من ذلك محتجا به عليهم، وإنما هي إلى جميع ما أذن الله تعالى في كونه دلالة على صدقة من قبيل الصور التي يصورها من الطين على هيئة الطير، وذلك جمع التأنيث أولى به.
مسألة في ذلك: قد قال بعض أهل النظر في معنى هذه الآية إنما قال: {فيكون طيرا بإذن الله وأبرئ الأكمه والأبرص وأحي الموتى بإذن الله}، فذكر إذن الله تعالى في هذين الموضعين، ولم يقل بإذن الله في قوله: {إني أخلق لكم من الطين كهيئة الطير} ولا يقل بإذن الله في قوله: {وأنبئكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم} لأن ما وصفه من هذه الأفعال إنما هي أفعاله، وولم تكن أفعالا لله تعالى، فلهذا لم يذكر أن ذلك كان بإذن الله، كما ذكر الإذن فيما وصفه من قبل مما فعله الله عز وجل دونه، وذلك أنه لم يعن بالإذن أمره له بأن يطيعه في ذلك، وإنما عنى به أن الله تعالى هو الذي فعله، فلهذا جعل ذكر الإذن فصلا بين فعله وفعل الله تعالى انتهى كلامه.
قلت: ذلك سهو منه، لأن الذي أنكر أنه لم يذكر معه إذن الله، لأنه من فعل عيسى على نبينا وعليه السلام، فقد نطقت سورة المائدة بخلاف، وهو قوله تعالى: {وإذ تخلق من الطين كهيئة الطير بإذني فتنفخ فيها فتكون طيرا بإذني} المائدة: 110 فسوى بين الفعلين اللذين ذكرهما من حكيت كلامه أنهما مختلفان، وأن أحدهما فعل عيسى عليه السلام، فلهذا لم يذكر معه الإذن، والآخر فعل غيره ثم قال تعالى: {وتبرئ الأكمه والأبرص بإذني وإذ تخرج الموتى بإذني} المائدة: 110.